الأربعاء ، ٨ رجب ، ١٤٤٦   -   08 يناير 2025

البرنامج اليومي عند الذهبي

البرنامج اليومي عند الذهبي

البرنامج اليومي عند الذهبي

 

ذكر الإمام الذهبي خبر عبد الله بن عمرو  قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ» فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي قَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ» قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَقَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ عَشْرٍ» قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي قَالَ: «اقْرَأْ بِهِ فِي كُلِّ سَبْعٍ» قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَأَبَى[1].

ثم عقب الذهبي عليه فقال: فَوَاللهِ إِنَّ تَرْتِيْلَ سُبُعِ القُرْآنِ فِي تَهَجُّدِ قِيَامِ اللَّيْلِ مَعَ المُحَافَظَةِ عَلَى النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ، وَالضُّحَى، وَتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، مَعَ الأَذْكَارِ المَأْثُوْرَةِ الثَّابِتَةِ، وَالقَوْلِ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، ودُبُر المَكْتُوبَةِ وَالسَّحَرِ، مَعَ النَّظَرِ فِي العِلْمِ النَّافِعِ وَالاشْتِغَالِ بِهِ مُخْلَصاً للهِ، مَعَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَإِرْشَادِ الجَاهِلِ وَتَفْهِيْمِهِ، وَزَجْرِ الفَاسِقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مَعَ أَدَاءِ الفَرَائِضِ فِي جَمَاعَةٍ بِخُشُوْعٍ وَطُمَأْنِيْنَةٍ وَانْكِسَارٍ وَإِيْمَانٍ، مَعَ أَدَاءِ الوَاجِبِ، وَاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَالإِخْلاَصِ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ، لَشُغْلٌ عَظِيْمٌ جَسِيْمٌ، وَلَمَقَامُ أَصْحَابِ اليَمِيْنِ وَأَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِيْنَ، فَإِنَّ سَائِرَ ذَلِكَ مَطْلُوْبٌ. فَمَتَى تَشَاغَلَ العَابِدُ بِخِتْمَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَقَدْ خَالَفَ الحَنِيْفِيَّةَ السَّمْحَةَ، وَلَمْ يَنْهَضْ بِأَكْثَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلاَ تَدَبَّرَ مَا يَتْلُوْهُ[2].

قرأت هذا الكلام للإمام الذهبي منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة، ومن حينها وهي مرتسمة في وجداني، فهذه الكلمة، ذكرها الذهبي استطراداً لا قصداً، ولذا جاءت عفوية خالية من التحفز والتصنع، واصفة الحال بدقة متناهية، فهذا الذي اقترحَهُ هو في الغالب الذي كان يطبقه ويسير عليه، وثمة تعليقات مختصرة:

أولها: أن الإمام الذهبي ذكر هذا البرنامج المقترح متخففاً من الصرامة التي اختارها عبد الله بن عمرو، وذلك أنه في نظره برنامج ميسور يستطيع الكل تطبيقه بلا حرج ولا عسر (فالدين يسر)، وهذا النمط هو اليُسر في نظره، فأي همة في العبادة هذه الهمة، وأي عزيمة تلكم العزيمة

ثانياً: تجد كثرة أعمال الخير وازدحامها وتنوعها في البرنامج الذي ذكره، وهي شاملة للعبادات الخاصة والمتعدية، وما أروع لو كتبها أحدنا في جدول ثم نظر في أول يومه ما الذي سيدركه منها، ونظر في آخر يومه ما الذي فاته منها؟

ثالثا: ألا يلفت نظرك قول الذهبي: فوالله إن قراءة سبع القرآن في قيام الليل ... ) إن هذه العبارة تدل على أن قراءة سبع القرآن وهو أربعة أجزاء كل ليلة في قيام الليل، هو جزء من البرنامج اليومي الثابت المعتاد في حياتهم، وأن هذا القدر عندهم من اتباع تيسير الدين، وعدم الحرج في تطبيقه.

بالله ماذا نقول ويقول من يفرط في السنن الرواتب أو صلاة الوتر إذا علم أن قراءة أربعة أجزاء يومية في صلاة قيام الليل كانت دأب الصالحين، ويرونه أدنى الكمال اتباعاً ليسر الدين وتخفيفه.

اللهم ألحقنا بهم بحبنا إياهم فيك.

 

كتبه: عبد الوهاب الطريري

 

 

[1]«السنن الكبرى للنسائي» (8010)، «مسند أحمد» (6873).

[2] «سير أعلام النبلاء» (1/ 42).

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة