الأربعاء ، ٨ رجب ، ١٤٤٦   -   08 يناير 2025

أهمية الأقران

أهمية الأقران

علمتني الحياة أهمية الأقران في المسيرة العملية، وأنها مرحلة مهمة في التكوين العلمي، وكما يحتاج المتعلم إلى الشيوخ في مرحلة الطلب، فكذا يحتاج إلى الأقران في مسيرة التحصيل والتكوين، ويحتاج إلى التلاميذ في مرحلة النضج والعطاء.

وكان من نعمة الله علي أن جمعني بأقران أهل علم وفضل وهمة وعزيمة، وهم وإن كانوا أقراني سنا إلا أنهم يفوقون علماً وفضلاً وقدراً، وحسبي أن أطير في سربهم وإن كنت في ساقتهم.

والأقران يفيدون كما يفيد الأشياخ، ولذا استفدت منهم كما استفدت من أشياخي وأكثر.

وأهمية الأقران لطالب العلم أنهم هم الذين يذاكرونه، ويحفزونه، ويوردون عليه ما يستثير ذهنه، وإذا ندت منه آبدة شاذة فإنه بالمذاكرة معهم يكتشف عوارها فيستعيد توازنه العلمي، لأن الأقران يجرؤ بعضهم على بعض من غير تحفظ ولا احتشام.

وكم يضر طالب العلم أن يكون ذاهمة وعزيمة ومضاء، ولكنه بدون رفقة يتذاكر معهم، ويصقل حصيلته العلمية بالنقاش الجريء مع من يجرؤ عليهم ويجرؤون عليه، ولذا فإني أحسب أن ذلك من أسباب الشذوذات التي وجدت عند بعض الفضلاء الذين كان لهم همة وعزيمة فائقة ولكنهم حلقوا وحدهم فلم يكن معهم من يذاكرهم ويناقشهم، فندت منهم آراء شاذة لم تمحص بالحوار الجريء، وكثيراً ما يبدو لي مثالاً لذلك العلامة المحقق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، فإنه على تظلعه في العلم وتحقيقه، ودأبه في مؤلفاته الحافلة، إلا أن له فيها من الغرائب والشذوذات ما جعل الشداة من طلبة العلم اليوم يستدركونها عليه.

وأحسب أن من أسباب ذلك نشأته العملية وليس حوله أقران يذاكرهم، ولذا برز مكتملاً، وصار من حوله تلاميذ وطلاب يتلقون عنه ويسلمون له.

وقارنت ذلك بما رأيت من حال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز والذي كان في مسيرته العلمية محفوفاً بأقران ذوي رسوخ علمي كالشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، وبطلاب نوابغ كالأقران كالشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبد الله بن قعود، والشيخ عبد الرحمن البراك وغيرهم.

وقد أفدت ممن صحبتهم أعظم الفائدة وأجلها، ولهم علي فضل لا أنساه لهم. والله يتولى عني جزاءهم، ويجعل محبتنا خالصة له، ويجعلها خلة باقية في الدنيا والآخرة ﴿‌الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾.

وممن شرفت برفقهم والإفادة منهم المشايخ الأفاضل: الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم، والشيخ عيسى السعدي، والشيخ صالح آل الشيخ، والشيخ عائض القرني، والشيخ عبد الرحمن المجيدل، والشيخ عبد الله الهدلق، والشيخ عبد الرحمن قائد، والشيخ محمد بن إبراهيم الحمد، والشيخ محمد بن ناصر العجمي، والدكتور عبد الله الصبيح، والشيخ سعد الحميد، والشيخ عبد العزيز الماجد، والشيخ سلمان العودة.

وأشهد أن عبور هؤلاء الأفاضل في طريق الحياة الباكر جعله مأنوساً زاخراً، جميل الذكرى.

كتبه: عبد الوهاب الطريري

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة