إلا رسول الله ﷺ
إلا رسول الله ﷺ
مع كل الجنايات التي تتوالى على المسلمين، والبغي والعدوان بألوان وصنوف شتى فما زال المسلمون يواصلون الاحتمال والصبر ولو على مضض، إلا رسول الله أن ينال فلا نغضب له، ويساء إليه فلا ننصره، ويتعدى عليه فلا ندافع عنه، فها هي تتوالى بذاءات وإهانات للمسلمين في جناب المصطفى ﷺ تطلقها عصابة من الأشقياء ومجملها وصفهم للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه إرهابي ورجل عنف وحرب، وتزوج (12) زوجة، أما تفصيلها فبذاء وتفحش، وتسفل في العقل والخلق.
- إن هؤلاء يتكلمون عن النبي ﷺ الذي علّم البشرية تعظيم أنبياء الله وتوقير رسله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ وأن الإيمان برسالة محمد ﷺ لا يصح ولا يقبل إلا مع الإيمان برسالة عيسى -عليه السلام- ومن سبقه من المرسلين.
- وعندما كان اليهود يصفون المسيح بأقبح الأوصاف كان محمد ﷺ يعلم البشرية: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾، ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾.
- وعندما كان اليهود يصفون المحصنة العذراء بأفحش الصفات كان محمد ﷺ يعلّم البشرية: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾.
- وإن هؤلاء الذين يشتغلون بالوقيعة في النبي العظيم بمثل أوصاف السفّاح والقاتل إنما يصفون بذلك نبي الرحمة الذي علم البشرية: ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ والذي علم البشرية الرحمة والعدل حتى في حال الحرب والقتال، وكان ذلك في وقت البربرية والتوحش العالمي حيث لا هيئات ولا مواثيق ولا قوانين عالمية فجاء إلى هذا العالم بقوانين العدل في السلـم والـحرب: «لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً».
إن في تكرار إلقاء هذه التهم دلالة على إفلاسهم؛ لأنهم لم يجدوا ما يثيرونه إلا اجترار تهم قديمة سبق إثارتها، وقد تهافتت وأفلست وانتهت صلاحيتها، ودحضتها الأجوبة الموضوعية التي كتبت عنها في حينها.
كما أن له دلالة أخرى وهو مقدار الجبن والتضليل الذي يتلبس به هؤلاء، أما كيف ذلك؛ فإننا عندما نعلم أنهم يؤمنون بالعهد القديم ومع ذلك يطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج اثنتي عشرة امرأة. وفي العهد القديم الخبر عن سليمان عليه السلام أنه كان لديه سبعمئة زوجة وثلاثمئة محظية[1].
وفي (سفر صموئيل الإصحاح الخامس) أن داود -عليه السلام- اتخذ لنفسه زوجات ومحظيات ومثله عن يعقوب –عليه السلام-؛ فما بال تعدد الزوجات عند هؤلاء الرسل والمذكور في العهد القديم الذي تؤمن به الكنيسة الإنجيلية؟ أم هو الجبن والخوف إلى حد الذعر من اليهود أن يُنَال أنبياؤهم وآباؤهم؟
ثم انظر إلى وصفهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بالقتل وأنه سفاح؛ مع أن في العهد القديم الذي يؤمنون به أنّ داود – عليه السلام – خطب ابنة الملك شاؤول فطلب إليه مهراً مئة غلفة وهي الجلدة على عضو الرجل التناسلي، من غلف الفلسطينيين، فانطلق داود مع رجاله فقتل (مئتي) رجل من الفلسطينيين، وأتى بغلفهم وقدمها للملك، فزوجه شاؤول عندئذ من ابنته ميكال، وأدرك شاؤول يقيناً أن الرب مع داود (سفر صموئيل الإصحاح الثامن عشر)، وما جاء فيه أيضاً أن يوشع هاجم مدن عجلون وحبرون ودبير وقتل ملوكها وكل نفس فيها بحد السيف فلم يفلت منها ناج (سفر يوشع 34).
وأن موسى قال للإسرائيليين: «الآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة ضاجعت رجلاً، ولكن استحيوا لكم كل عذراء لم تضاجع رجلاً»[2].
ويتجاهلون إلى حد العمى ما ورد في الإنجيل منسوباً إلى المسيح: «لا تظنوا أني جئت لأرسي سلاماً على الأرض، ما جئت لأرسي سلاماً بل سيفاً، فإني جئت لأجعل الإنسان على خلاف مع أبيه، والبنت مع أمها، والكنة مع حماتها، وهكذا يصير أعداء الإنسان أهل بيته»[3].
ويتجاهلون ما ورد في العهد القديم من كتابهم المقدس من الأمر بقتل الكفار وحرق ممتلكاتهم ورجمهم بالحجارة حتى الموت وكلها موجودة في العهد القديم في مواضع منها[4].
فأين الكلام عن القتل وسفك الدماء هناك؟ أم هو الذعر المخرس من معاداة السامية، والمقاييس الانتقائية الجبانة، والتعصب الأعمى المقيت؟
- أين الكلام عن القتل الذي مارسته الكنيسة ضد المسلمين واليهود في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش؟
إن هؤلاء يصنعون الإرهاب ويقذفون بالنار إلى صهاريج الوقود، فالنيل من جناب النبوة استفزاز واستنفار لكل مسلم، ودونه أبداً مهج النفوس، وفداؤه الأمهات والآباء، وإن جمرة الغضب التي يوقدها هؤلاء في قلب كل مسلم لا يمكن التنبؤ بالحريق الذي ستشعله ولا كيف ولا أين. وسيدفع هؤلاء برعونتهم هذه البشرية إلى أتون سعير متواصل من الصراعات والثارات.
ولئن احتمل المسلمون ألواناً من البغي، وتقبلوا تبريرات متنوعة للعدوان فلن يوجد من يحتمل البغي على النبي ﷺ ولن يمكن تبرير أي حماقة من هذا النوع.
إن عظمة رسول الله ﷺ في نفوسنا أعلى من قبّة الفلك، ولن ينال منها مثل هذا التواقح الجبان، (والذي يبصق على السماء عليه أن يمسح وجهه بعد ذلك)، ولكن الذي يعنينا هنا واجبنا نحن تجاه مقام النبوة، والانتصار لجناب الرسول ﷺ والذبّ عن شريف مقامه.
فهذا نداء إلى كل مؤمن بالله ورسله، إلى كل قلب يخفق حباً لنبيه – صلى الله عليه وسلم -، وإلى كل مهجة تتحرق شوقاً إليه ، إلى كل مسلم يعلم أنه لولا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لكنا حيارى في دياجير الظلمات، ولولا رسول الله لكنا فحماً في نار جهنم، إلى كل مسلم يقول من أعماق قلبه: فدى لرسول الله نفسي، وفدى لأنفاسه أبي وأمي، إلى كل مسلم تضج جوانحه تعظيماً وتوقيراً، وإجلالاً وتقديساً لرسول الله ﷺ هذا نداء لنصرة النبي أمام هذا التواقح الفاحش والتسفل البذيء، ولن يعدم كل غيور أن يجد له مكاناً ومكانة، وأن يبذل فيه جهداً ولو قل، وكل كثير منّا فهو في حق النبي قليل. وذلك بالرد بعزة ووثوق على شبههم المستهلكة، وأن يُعلموا أن مكانة النبي ﷺ في نفوس المسلمين أعظم مما يتصورون، كل ذلك مع ملاحظة حصر الخطأ فيمن صدر منه، فليس من العدل ولا من العقل توسيع دائرة الخطأ لتشمل غير من صدر منه، وإن كانوا يشتركون في قواسم أخرى. كما أن تعميم الخطأ يعيق عملية التصحيح والإيضاح، كما أنه ينبغي ألا يوقف الحملة المضادة ولا يضعفها الاعتذارات الواهنة التي صدرت من بعضهم ويمكن أن تصدر من آخرين، فالخطيئة أكبر من أن يمحوها اعتذار باهت.
وسيترتب على هذه الحملة في نصرة النبي ﷺ مصالح أخرى تابعة لذلك منها تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، ونشر الإسلام، ومقاومة الحملة على المسلمين، ومقاومة المد التنصيري وغير ذلك.
ويمكن أن تأخذ الحملة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم طرائق متنوعة يجمعها التعريف بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة المشرقة وبيان سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أقوى رسائل الدفاع عن جنابه وذلك:
- على مستوى المراكز الإسلامية الموجودة في الغرب بالرد على هذه الحملة بالأسلوب المناسب للذهنية الغربية والمؤثر فيها.
- على المستوى الفردي، وذلك بإرسال الرسائل الإلكترونية المتضمنة الاحتجاج والرد والاستنكار إلى كل المنظمات والجامعات والأفراد المؤثرين في الغرب، ولو نفر المسلمون بإرسال ملايين الرسائل الرصينة القوية إلى المنظمات والأفراد فإن هذا سيكون له أثره اللافت قطعاً.
- استئجار ساعات لبرامج في المحطات الإذاعية والتلفزيونية تدافع عن النبي ﷺ وتذب عن جنابه، ويستضاف فيها ذوو القدرة والرسوخ، والدراية بمخاطبة العقلية الغربية بإقناع، وهم بحمد الله كثر.
- كتابة المقالات القوية الرصينة لتنشر في المجلات والصحف -ولو كمادّة إعلانية- ونشرها على مواقع الإنترنت باللغات المتنوعة.
- إنتاج برامج مرئية تلفزيونية وسينمائية يتم عرضها عبر وكالات الإنتاج الإعلامي ويعرض بشكل مشوق وبطريقة فنية ملخصاً تاريخياً للسيرة، وعرضاً للشمائل والأخلاق النبوية، ومناقشة لأهم الشبه المثارة حول سيرة المصطفى ﷺ، وذلك بطريقة احترافية متقنة ومقنعة.
- طباعة الكتب والمطويات التي تعرف بشخصية النبي ﷺ ويراعى في صياغتها معالجة الإشكالات الموجودة في الفكر الغربي.
- عقد اللقاءات، وإلقاء الكلمات في الجامعات والمنتديات والملتقيات العامة في أوروبا وأمريكا لمواجهة هذه الحملة.
- إقامة مؤتمرات في أمريكا وأوروبا تعالج هذه القضية وتعرض للعالم نصاعة السيرة المشرفة وعظمة الرسول ﷺ.
- التواصل مع المنصفين من رجالات الغرب سياسيين ومثقفين، وصحفيين مؤثرين، وقد قال الله تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾.
- تبادل الأفكار المجدية في هذه القضية، وإضافة أفكار جديدة والتواصي بها، وسيجد كل محب لرسول الله ﷺ معظم لجنابه مجالاً لإظهار حبه وغيرته وتعظيمه، فهذا يأتي بفكرة، وذاك يكتب مقالة وآخر يترجم، وآخر يرسل، وآخر يمول في نفير عام لنصرة النبي ﷺ ولسان حالهم كل منهم يقول:
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء
اللهم اجعل حبك وحب رسولك أحب إلينا من أنفسنا وأبنائنا ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم ارزقنا شفاعة نبيك محمد وأوردنا حوضه، وارزقنا مرافقته في الجنة، اللهم صلى وسلم وبارك أطيب وأزكى صلاة وسلام وبركة على رسولك وخليلك محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه: عبد الوهاب الطريري
إضافة تعليق جديد