الأربعاء ، ٨ رجب ، ١٤٤٦   -   08 يناير 2025

بين إبراهيم ومحمد عليهم السلام

بين إبراهيم ومحمد عليهم السلام

بين إبراهيم ومحمد عليهم السلام

كم يشدك هذا القرب وهذه القربى بين إبراهيم الخليل وابنه الخليل محمد، إنه قرب لصيق برغم آماد الزمان، وأبعاد المكان، حتى لكأنها الأبوة المباشرة القريبة، ولذا يتلقى إبراهيم ابنه محمدا في منازل الملأ الأعلى ليلة الإسراء والمعراج بترحاب الآباء بالأبناء قائلا: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، وعند التأمل في سيرة إبراهيم ومحمد نجد هذا التشابه والتوافق في مشاهد عاجبة منها:

  1. النشأة:
  • فقد كان إبراهيم راشداً منذ نشأته الأولى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ}، {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. فلم يكن إبراهيم مشركا ولا متحيرا في أي مرحلة من حياته.
  • وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤثر عنه قبل النبوة أنه عبد صنماً أو شارك في وثنية.
  1. التفكر في ملكوت الله:
  • فتح الله لإبراهيم آفاق التفكر في آياته الكونية {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.
  • وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحنث في غار حراء تفكرا في آيات الله الكونية.
  1. عداوة الأقارب:

واجه إبراهيم الخصومة الشديدة من داخل أسرته مع أبيه آزر -سواء قلنا إن آزر كان أباه أو عمه- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

وكذلك واجه الرسول صلى الله عليه وسلم الخصومة الدينية من عمه أبي لهب، ونزل القرآن يحكي هذه الخصومة، ولم يُعيَن أحدٌ من المشركين في القرآن إلا أبا لهب.

 

  1. استغفار إبراهيم لأبيه:

استغفر إبراهيم لأبيه فنهي عن ذلك {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}.

واستغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب فقال: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}.

  1. إبراهيم والقرابة المؤمنة:

آمن مع إبراهيم ابن أخيه لوط وهاجر معه {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

آمن مع محمد ابن عمه علي وهاجر وجاهد معه وقال له: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ، مِنْ مُوسَى"([1]).

  1.  إبراهيم وبناء الكعبة:

بنى إبراهيم الكعبة ورفع قواعدها: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}.

 وأذَّنَ في الناس بالحج: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.

وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم شارك في بناء الكعبة حين بنتها قريش ثم كان على يديه تطهيرها من أرجاس الجاهلية وشعائرها الوثنية، وإعادتها إلى ما كانت عليه حين بناها أبوه إبراهيم فأرسل نداءه في الناس سنة تسع: "ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان"، ونادى في حجة الوداع: " كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ"([2]) فالكعبة نسب بين محمد وأبيه إبراهيم كنسب الأبوة.

 

  1. قيادة البشرية:
  • كان إبراهيم إماما للناس كلهم، جيله والأجيال من بعده: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}.
  • وكذلك كان محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى الناس جميعاً: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
  1. الهجرة:

فإن إبراهيم هاجر من العراق وترك بلده وقومه وقال: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فانتقل إلى الشام وتوفي بها.

وكذلك الرسول هاجر من بلده مكة إلى المدينة وتوفي بها.

  1. الرحمة العامة:

فمع أن قوم إبراهيم حاولوا إحراقه بالنار، فاعتزلهم وهاجر عنهم، لكنه لم يدع عليهم، وعندما جاءته الملائكة تبشره بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب لم يشغله فرحه بالذرية على الكبر أن يجادلهم في قوم لوط ويستدفع عنهم العذاب. {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}.

وكذلك الرسول لما عَرَضَ عليه ملك الجبال أن يطبق على أهل مكة جبليها الأخشبين ويدفنهم تحت أحجارها استدفع عنهم العذاب وقال: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"([3]).

  1. الدعاء بالبركة:

دعا إبراهيم لأهل مكة بالبركة {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.

ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم بالبركة المضاعفة للمدينة فقال: "اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعا لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوكَ لأهل المدينة أن تبارك لهم في مُدِّهم وصاعهم مِثْلَي ما باركت لأهل مكة، مع البركة بركتين"([4]).

  1. الصلاة الإبراهيمية:

أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تسأل الله صلاته وبركته عليه وعلى آله كما صلى وبارك على إبراهيم وآله فقال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"([5]).

  1. حرم إبراهيم وحرم محمد:

حَرَّمَ إبراهيم مكة، وحَرَّمّ محمد صلى الله عليه وسلم المدينة. قال صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا"([6]).

  1. حفظ الله لهما:

 حاول قوم إبراهيم قتله بالإحراق فأنجاه الله منهم. {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}.

وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حاول المشركون قتله فأنجاه الله من مكرهم {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

  1. النسب المصري:

تَسَرَّى إبراهيم بهاجر المصرية وولد له منها إسماعيل.

وتَسَرَّى محمد بمارية المصرية وولد له منها إبراهيم.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلاقة فقال: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» أَوْ قَالَ «ذِمَّةً وَصِهْرًا»([7]).

وعن عمر مولى غفرة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: «الله الله فى أهل الذمّة، أهل المدرة السوداء، السحم الجعاد([8])، فإن لهم نسبا وصهرا»([9]).

  1. فتح آفاق التساؤل:

فتح إبراهيم ومحمد آفاق التساؤل والتفكير من غير حجر على العقل، فكان إبراهيم سائلا ومحمد مجيبا.

فإبراهيم يسأل: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.

ومحمد يتلقى السؤال ممن سأله: "إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ؟ فيجيبه برحابة وترحاب: "سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ"([10]).

  1. حسبنا الله ونعم الوكيل:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ}([11]).

  1. الهيئة والشبه:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه الناس بأبيه إبراهيم، وقد وصف صلى الله عليه وسلم الأنبياء الذين رآهم فقال: "رَأَيْتُ مُوسَى: وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِه"([12]).

وقال صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ"([13]).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ قُرَيْشًا أَتَوُا امْرَأَةً كَاهِنَةً([14])، فَقَالُوا لَهَا: أَخْبِرِينَا أَشْبَهَنَا أَثَرًا بِصَاحِبِ الْمَقَامِ، فَقَالَتْ: إِنْ أَنْتُمْ جَرَرْتُمْ كِسَاءً عَلَى هَذِهِ السِّهْلَةِ، ثُمَّ مَشَيْتُمْ عَلَيْهَا، أَنْبَأْتُكُمْ، قَالَ: فَجَرُّوا كِسَاءً، ثُمَّ مَشَى النَّاسُ عَلَيْهَا، فَأَبْصَرَتْ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هَذَا أَقْرَبُكُمْ إِلَيْهِ شَبَهًا، ثُمَّ مَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([15]).

ولهذه القربى وهذا التوافق نرى الحب والقرب بين محمد صلى الله عليه وسلم وأبيه إبراهيم، ولذا سمى ابنه إبراهيم باسم أبيه إبراهيم، فقال مبشراً أصحابه: "وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ"([16]).

وكانت عائشة تحلف حينا برب إبراهيم، وحينا تحلف برب محمد، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ " قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ"([17]).

إنها لا تهجر اسمه إلا إلى اسم أبيه إبراهيم، وهو ما تعلم أنه يشعره بغضبها ولا يغضبه.

فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الأقرب إلى إبراهيم وهو الأولى بإبراهيم.

 

الملة الإبراهيمية:

أولى الناس بإبراهيم محمد صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوه {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}.

 فهو صلى الله عليه وسلم الذي أعاد لملة إبراهيم جِدَّتَها ونقاءها، وطَهَّرَها من تحريف اليهودية، وانحراف النصرانية، ووثنية الجاهلية.

وليس في شيء من بقايا الأديان المحرفة إتِّباعٌ لإبراهيم ولا ولايةٌ له.

وكل محاولة للمزج بين الأديان بمسمى الإبراهيمية فإن إبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً منها براء.

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.

فملة إبراهيم هي دين محمد صلى الله عليه وسلم التي أمره الله باتباعها {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

 وكان من أذكاره صلى الله عليه وسلم كل صباح: «أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَدِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ».

إن دعوة مزج الأديان وتوحيدها لا يمكن أن تنطلق من المؤمنين الحقيقيين بأي دين.

فالنصارى لا يمكن أن تتحد كنائسهم المختلفة فضلاً عن أن يتحدوا مع دين آخر غير دينهم.

واليهود لم تتحد طوائفهم فضلاً أن يتحدوا مع غيرهم من الأمم.

والمسلمون لا يمكن أن يمزجوا بين توحيد وشرك، وإسلام وكفر.

ولكن المطلوب بين أهل الأديان هو التعايش، والتعاون على الحق المتفق عليه {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

وكما قال صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش: "لَا يَدْعُونِي الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرْمَةً، وَلَا يَدْعُونِي فِيهَا إِلَى صِلَةٍ إِلَّا أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهَا"([18]).

وقال عن حلف الفضول -وهو حلف قبل الإسلام على نصرة المظلوم على من ظلمه-: "لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ"([19]).

ومساحة التعايش والتعاون واسعة بين الأسرة البشرية كافة من غير عبث بالأديان ولا انسلاخ عن شيء من أسس الملة وقواعد الدين المحكمة، و{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.

كتبه: عبد الوهاب الطريري

 

 

([1]) صحيح البخاري (3706)

([2]) مسند أحمد ط الرسالة (17233)

([3]) صحيح البخاري (3231)

([4]) مسند أحمد (937)

([5]) صحيح البخاري (3370)

([6]) صحيح مسلم (1374)

([7]) صحيح مسلم (2543)

([8]) المدرة السوداء: أي طينة مصر، السحم الجعاد: أي أهل مصر السمر المجعدي الشعور.

([9]) فتوح مصر لابن عبد الحكم (ص: 22)

([10]) صحيح البخاري (63)

([11]) صحيح البخاري (4563)

([12]) صحيح البخاري (3394)

([13]) صحيح البخاري (3355)

([14]) المراد بها هنا قصاص الأثر ويسمون القافة.

([15]) سنن ابن ماجه (2350)

([16]) صحيح مسلم (2315)

([17]) صحيح البخاري (6078)

([18]) مصنف ابن أبي شيبة (36855)

([19]) السنن الكبرى (13080)

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة